الأخبار

بالأرقام والتفاصيل.. المجبري يكشف عن الأجندة الاقتصادية للعنف ودورها في إستمرار الصراعات

ذكر  النائب السابق بالمجلس الرئاسي منتهي الولاية، فتحي المجبري، السبت، إن حضور الدوافع الاقتصادية والأجندات التجارية في الحروب بشكل عام ليس بظاهرة جديدة ، فقد كانت هذه الدوافع والأجندات حاضرة دائما في تحليل ودراسة ظاهرة الحرب ، حيث وصفت الحرب من قبل بعض المؤرخين بأنها مشروع خاص لتحقيق الأرباح، أما في إطار الدراسات التحليلية للحروب والصراعات الأهلية فقد تأخر كثيرًا الإهتمام بالجوانب الاقتصادية وكانت الكثير من الدراسات تركز على النزعات البدائية للعنف وظهور الأحقاد التاريخية الدفينة والعداوات بين القبائل والأقليات العرقية والدينية المختلفة بوصفها أسباتا للحروب الأهلية .

المجبري، خلال الأجندة الاقتصادية للعنف ودورها في استمرار الصراعات والحروب الأهلية “دراسة للحالة الليبية”، أضاف: “كذلك بأن الجانب الاقتصادي يمكن أن يحقق استخدام العنف أو التلويح باستخدامه أرباح ومنافع اقتصادية للأطراف المنخرطة في الصراع ، وتعد أعمال النهب والتهريب والخطف والابتزاز من أجل صور العنف الاقتصادي”.

أما فيما يخص الأجندة الاقتصادية في الصراع الليبي فقد ذكر بأن “ليبيا شهدت في فبراير من عام 2011 انتفاضة شعبية تطالب بالحرية والعدالة والديموقراطية ضد نظام القذافي الشمولي ، وسرعان ما تحولت هذه الانتفاضة إلى صراع مسلح قاد البلاد إلى حرب أهلية، نتج عنها الكثير من التحولات من بينها إنهيار مؤسسات الدولة المختلفة وحدوث فراغ أمني كبير نتيجة لغياب قطاع أمني فعال”.

وبخصوص أنماط المكاسب الاقتصادية التي تحققها التشكيلات المسلحة من استمرار الصراع في ليبيا ذكر بأنه “يتتبع هذا الجزء الأنماط والأساليب التي استخدمتها الأطراف المتصارعة في ليبيا وتشكيلاتها المسلحة للحصول على التمويل اللازم لاستمرار وجودها وأنشطتها ولتحقيق مكاسب مادية لقيادات وأفراد هذه التشكيلات، ويمكن التمييز بين نمطين لتحقيق المكاسب اعتمدت عليهما هذه التشكيلات : الحصول على التمويل الحكومي المباشر من خلال الميزانية العامة للدولة وهو ما يمكن أن نطلق عليه التمويل الرسمي ، والتمويل غير الرسمي وهو ما تحصل عليه التشكيلات المسلحة من موارد مالية من خلال الانخراط في أنشطة غير قانونية وإجرامية”.

وتابع: “وكذلك التمويل الرسمي عبر الميزانية الحكومية فالميزانية العامة بأبوابها الثلاثة المصدر الرسمي الأساسي الذي تتدفق من خلاله الموارد المالية للقطاع الأمني ، حيث يشتمل الباب الأول من الميزانية على المرتبات وما في حكمها من مكافات وحوافز مالية ، بالإضافة إلى مخصصات الإعاشة والقيافة “الملابس الرسمية”، أما الباب الثاني ، فهو يتضمن المصروفات العمومية من قبيل الكهرباء والوقود والقرطاسية والذخائر والمعدات الخفيفة وما في حكمها ، أما الباب الثالث ، فهو يتضمن المصروفات الرأسمالية مثل الإنفاق على بناء المقرات والمعسكرات وشراء المعدات الثقيلة والأجهزة والسيارات والمركبات المدرعة وما في حكمها”.

وأضاف: “وإجمالي التدفقات المالية للقطاع الأمني بشقيه “وزارة الداخلية ووزارة الدفاع” خلال السنوات من سنة 2010 إلى سنة 2018 وهي آخر سنة تتوافر فيها بيانات منشورة عن الإنفاق العام في ليبيا، ومن المتضح أنه بعد سنة واحدة من الصراع عادت حصيلة الإيرادات العامة إلى مستوياتها السابقة للصراع ، حيث قفز إجمالي الإيرادات العامة من نحو 10.5 مليار دينار في العام 2011 إلى 70.1 مليار دينار في العام 2012 ، أي بنسبة زيادة قدرها 300 ٪ مقارنة بالعام 2011 وبنسبة 18 % بالمقارنة مع العام 2010 ، ويرجع ذلك إلى النجاح في رفع مستويات إنتاج النفط إلى ما كانت عليه قبل الصراع ، وأدى هذا الارتفاع الكبير في الإيرادات العامة إلى زيادة في الإنفاق العام ، حيث زادت النفقات العامة من نحو 49.1 مليار في العام 2012 إلى 65.6 مليار في العام 2013 ، أي بزيادة نسبية قدرها 33.5 % ، وبالمثل زاد الإنفاق على القطاع الأمني من 8.1 مليار دينار في العام 2012 إلى 10.9 مليار دينار في العام 2013 ، أي بزيادة نسبية قدرها 21.1 % ، وتجدر الملاحظة هنا أن الزيادة النسبية في الإنفاق على القطاع الأمني كانت أقل من الزيادة النسبية في إجمالي الإنفاق العام ، وهذا يعني أن هناك قطاعات أخرى نما فيها معدل الإنفاق بشكل أسرع من نمو الإنفاق على القطاع الأمني بشكل عام ، غير أن الزيادة في الإنفاق على القطاع الأمني تظهر بشكل جلي عندما نقارن مستويات الإنفاق قبل بداية الصراع في عام 2011 ، وللأسف لا تتوافر بيانات عن الإنفاق على وزارة الدفاع للعام 2010 ولكن قانون الميزانية العامة رقم 2 الصادر عن مؤتمر الشعب العام في سنة 2010 يوضح حجم مخصصات وزارة الداخلية التي بلغت 1.9 مليار دينار في حين بلغت نفقات وزارة الداخلية في سنة 2012 ، 2.8 مليار دينار ، أي بزيادة بنسبة 47 % ، وهذا يؤشر إلى حجم الإنفاق الكبير الذي حصلت عليه وزارة الداخلية بعد الصراع بالمقارنة بفترة ما قبل الصراع”.

واستكمل: “تذهب نسبة كبيرة من الإنفاق على القطاع الأمني خلال هذه الفترة لدفع المرتبات وما في حكمها ، حيث زاد إجمالي نفقات الباب الأول للقطاع من 3.9 مليار في عام 2012 إلى 5.6 مليار دينار في العام 2013 ، وتعكس هذه الزيادة في بند المرتبات التوسع في زيادة حجم القوى العاملة في القطاع الأمني نتيجة لعمليات التهجين التي تمت الإشارة إليها أعلاه حيث انضم عدد كبير من المدنيين إلى القطاع الأمني ، وأوضح أيضًا بأن الزيادة في عدد العاملين في القطاع الأمني في العام 2014 بالمقارنة مع عددهم في العام 2010 ، كان في القطاع الحكومي في العام 2010 805,410 أفراد ، منهم 200,543 فردا يعملون في القطاع الأمني ويشكلون ما نسبته 29.8 % من إجمالي العاملين في القطاع الحكومي ، وارتفع عدد العاملين في القطاع الحكومي في العام 2014 إلى 1,524,078 فردا ، منهم 480,502 فرد يعملون في القطاع الأمني ويشكلون ما نسبته 31.5 % من إجمالي العاملين في القطاع الحكومي”.

وتابع: “وبخلاف الزيادة المطلقة في عدد العاملين في القطاع الأمني ، فإن الزيادة النسبية في عدد العاملين في هذا القطاع كانت في المتوسط أعلى من معدل الزيادة النسبية للعاملين في القطاع الحكومي بشكل عام ، وإن كانت هذه الزيادة تعد ضئيلة نسبيا”.

 

وأضاف: “وتشير البيانات المتوافرة أن القطاع الأمني هو ثاني أكبر قطاع من حيث عدد العاملين بعد قطاع التعليم الذي بلغ عدد العاملين فيه 512,004 أفراد في العامكما تتدفق الموارد أيضًا إلى القطاع الأمني من خلال الباب الثاني للميزانية ، ويغطي هذا الباب في الغالب النفقات التسييرية، وأتضح أن نفقات هذا الباب قد زادت بشكل طفيف من 1.4 مليار في عام 2012 إلى 1.6 مليار في عام 2013 ، بزيادة نسبية قدرها 14 ٪ ، والجدير بالملاحظة هو أن بعض المصروفات التي تفيد ضمن الباب الثاني يتم في واقع الأمر تخصيصها في شكل مكافات ، وهو ما يعني أن جدًا معتبرًا من المصروفات المحتسبة ضمن الباب الثاني هو في الواقع يمثل إنفاقا على الباب الأول ، فعلى سبيل المثال لاحظ ديوان المحاسبة في العام 2012 أن 31 % من الإنفاق على الباب الثاني والبالغ 1318 مليون دينار ليبي خصص مكافآت للثوار بواقع 400 مليون دينار ،وذلك لمواجهة بعض الظروف الخاصة التي تتطلب تخصيص موارد إضافية لهذا القطاع ، حيث تقوم الحكومة بتخصيص ميزانيات خاصة أو ميزانيات طوارئ للإنفاق ، ولعل أبرز مثال على ذلك هو قرار المجلس الوطني الانتقالي رقم 8 لسنة 2012 باعتماد مبلغ ثلاثة مليارات دينار ميزانية استثنائية ، ومن اللافت للنظر أن القانون نص على استثناء هذه الميزانية من أحكام القانوني المالي للدولة ولائحته التنفيذية ، كما صدر قرار مجلس الوزراء رقم 113 لسنة 2012 الذي استثنى تنفيذ الميزانية من أحكام لائحة العقود الإدارية ، وبهذا أصبح تنفيذ هذه الميزانية لا يخضع لأي قيود رقابية تقريبا يوضح الجدول رقم 4 توزيع مخصصات هذه الميزانية بين القطاع الأمني وباقي قطاعات الحكومة ، وكما خصصت نحو 83 % من هذه الميزانية للقطاع الأمني ، حيث حصلت رئاسة الأركان على 1150 مليون دينار ، وحرس الحدود على 250 مليون دينار واللجنة الأمنية العليا على 728 مليون ، أما وزارة الداخلية ، فخصص لها 683 ، ووزع الباقي 383 مليون دينار على قطاعات أخرى .أوضح كذلك أهمية التمويل الحكومي الرسمي الذي تحصل عليه التشكيلات المسلحة المختلفة في ليبيا حيث شكل الإنفاق على القطاع الأمني عليها نحو 15 % في المتوسط من إجمالي الإنفاق العام خلال الفترة من العام 2012 إلى العام 2018 ، وبالنظر إلى أن التشكيلات المسلحة المتصارعة في ليبيا تنتمي بشكل أو بآخر إلى أجهزة الدولة الرسمية وتتلقى مخصصات مالية رسمية من الدولة ، فإنه يمكن القول إن الحرب الأهلية الليبية ممولة بشكل رسمي من قبل الدولة ونظرًا لإدراك الأطراف المتصارعة في ليبيا لأهمية التمويل الحكومي الرسمي للتشكيلات المسلحة التابعة لك فريق ، فقد حرص كل فريق على إيجاد آلية تضمن تدفق التمويل الحكومي لتشكيلاته ، وعندما حدث الانقسام السياسي في البلاد بعد منتصف العام 2014 انقسمت أيضًا المؤسسات المالية حيث ظهر مصرف مركزي إضافي في شرق البلاد تتبعه مجموعة من المصارف التجارية ومصرف مركزي في غرب البلاد تتبعه مجموعة من المصارف التجارية ، وأسهم المصرفان في توفير الموارد المالية للتشكيلات المسلحة التي يقع ضمن مناطق سيطرتها”.

وتابع: “التمويل غير الرسمي “عبر الأنشطة غير القانونية” حيث بدأت الإيرادات العامة في الانخفاض منذ العام 2014 ، وذلك بسبب انخفاض الكميات المنتجة والمصدرة من النفط بعد أزمة إغلاق الموانئ النفطية أواخر العام 2013 وكذلك انخفاض أسعار النفط ، حيث انخفضت الإيرادات العامة من 51.7 مليار دينار في عام 2013 إلى 19.9 مليار دينار في العام 2014 لتصل إلى أدني مستوى لها عام 2016 لتبلغ 6.6 مليار دينار قبل أن ترتفع من جديد في عام 2017 ، ولكنها لم تصل إلى مستوياتها في العام 2012 ، وأدى انخفاض الإيرادات العامة إلى قيام الحكومة بخفض النفقات العامة لكي تتحكم في عجز الميزانية ، فقد انخفض إجمالي النفقات العامة من 15.6 مليار دينار في العام 2013 إلى 44.2 في العام 2014 إلى أن وصلت لأدنى قيمة لها في العام 2016 حيث بلغت 30.4 مليار دينار ، ولقد انعكس هذا الانخفاض في النفقات العامة على الإنفاق على القطاع الأمني ، حيث انخفض من 9.8 مليار دينار في عام 2013 إلى 4.9 في عام 2015 ليصل إلى أدنى قيمة له في العام 2016 ، 2.6 مليار”.

وأضاف: “كما أدى هذا الانخفاض في الإنفاق الرسمي على القطاع الأمني والتشكيلات المنضوية تحته إلى لجوء الكثير من هذه التشكيلات إلى الانخراط في أعمال غير قانونية من أجل المحافظة على وجودها العسكري واستمرار قدرتها على تجنيد الأفراد ، وفيما يلي أهم المصادر والأنشطة غير القانونية التي اعتمدت عليها بعض التشكيلات لتعويض الانخفاض في تدفق الموارد المالية الرسمية من الحكومة”.

وأستكمل: “وتعد أعمال النهب من أول مصادر الحصول على الأموال والأصول المادية التي انخرطت فيها التشكيلات المسلحة منذ بداية الصراع في العام 2011 ، وتعد عمليات الاستيلاء على الأموال والأصول الثابتة والمنقولة لأنصار ورموز النظام السابق في مناطق سرت وطرابلس وغيرهما من المدن من بين أبرز الأمثلة على عمليات النهب المنظم التي قامت بها تشكيلات الثوار خلال العام 2011 وما تلاه ، وبالرغم من تسليم بعض هذه التشكيلات لما تحصلت عليه من أموال للمجلس الانتقالي في حينه ، فإن الجانب الأكبر من هذه الأموال ذهب لحسابات قادة وأفراد هذه التشكيلات ، وقد استمرت أعمال النهب في مراحل الصراع التالية في كل من بنغازي وطرابلس ومناطق أخرى ، حيث جرى على سبيل المثال الاستيلاء على كثير من أموال وممتلكات المهجرين من بنغازي الذين يعتقد أن لهم علاقات تنظيمية أو حتى عائلية مع أفراد وقيادات التنظيمات الإرهابية مثل أنصار الشريعة وداعش أو علاقات مع أعضاء مجلس شوری ثوار بنغازي والدروع ، كما طالت أعمال النهب أصول الشركات العامة المملوكة للدولة الليبية ، وكذا أصول بعض الشركات الأجنبية العاملة في ليبيا ، خاصة في مجال البناء والتشييد وقطاع النفط ، حيث جرى الاستيلاء على سيارات وشاحنات ومعدات هذه الشركات وتم التصرف ببيعها في السوق المحلي أو تهريبها إلى الخارج ودول الجوار أو تم الاحتفاظ بها واستخدامها لأغراض شخصية القادة وأفراد هذه التشكيلات أو لصالح التشكيلات نفسها، كما نشطت بعض التشكيلات في الاستيلاء على أموال المصارف التجارية وكذا أموال المصرف المركزي ، وبعد استيلاء تشكيلات مسلحة في مدينة سرت على شحنات أموال للمصرف المركزي كانت في طريقها لفرع المصرف في المدينة في عام 2016 من بين أبرز الأمثلة على نهب أموال المصارف”.

ومن ناحية تهريب الوقود فقد قال بأنه “تعد أسعار الوقود في ليبيا من بين الأقل في العالم ، وهذا يجعل من المتاجرة فيها وتهريبها لدول الجوار تجارة مربحة تدر عائدًا كبيرًا جدًا ، ولقد كان هذا النوع من التهريب سائداً خلال فترة حكم القذافي وخاصة عبر معبر راس جدير والحدود الجنوبية لليبيا ، ولكن بعد العام 2011 وخاصة بعد العام 2013 و 2014 ، تحول هذا النوع من التهريب إلى مستويات مختلفة تماماً سواء من حيث الحجم والعوائد المترتبة عليه أو من حيث الأطراف المنخرطة فيه داخليًا وخارجياً ، ففي فترة ما قبل العام 2011 كان نشاط تهريب الوقود يتم عبر الحدود البرية التونسية والجنوبية مع النيجر وتشاد والسودان ، كما أن الكميات المهربة كانت غير كبيرة نسبيا يضاف إلى ذلك انخفاض المستوى التنظيمي للأطراف المنخرطة فيه ، حيث كان يدار نشاط تهريب الوقود من قبل أفراد غير منظمين أو يتبعون تشكيلات مسلحة ، وفي عمليات تهريب الوقود تحول كبير ونوعي بعد العام 2013 ، وشمل هذا التحول التقنيات المستخدمة في التهريب وطبيعة الجهات والأطراف المنخرطة فيه ، والكميات المهرية والتشابك مع أنشطة التهريب الأخرى ، وكذلك النطاق الجغرافي للتهريب فقد أصبح التهريب يتم بشكل أساسي عبر البحر ، وأصبحت مدينة زوارة والزاوية مركزين لتهريب الوقود عبر البحر لأوروبا غير مالطا ، ويشترك في عمليات التهريب بعض التشكيلات التي تتبع القطاع الأمني الرسمي مثل جهاز حرس المنشآت النفطية وخفر السواحل في هذه المدن ، كما تم تبني تقنيات معقدة لشحن الوقود في عرض البحر قبالة الشواطئ الليبية ، حيث يتم الشحن في ناقلات تمتلكها مافيات تهريب الوقود وبالإضافة إلى تهريب الوقود عبر البحر ، فإنه يتم تهريب الوقود بالبر أيضا إلى تونس ، وتحصل التشكيلات المسلحة المسؤولة عن مراقبة الحدود على إتاوات من المهربين نظير السماح لهم بممارسة نشاطهم ویدر نشاط تهريب الوقود عائدات طائلة على الأطراف المنخرطة فيه ، حيث قدر رئيس المؤسسة الوطنية للنفط حجم الخسائر المترتبة عن تهريب الوقود بنحو مليار دينار سنويا”.

وعن تهريب السلع أوضح بأن “ليبيا تتبنى نظام لدعم بعض أنواع السلع الغذائية الأساسية مثل القمح والدقيق والسكر والشاي والأرز والمعجنات وبعض الأدوية ، ويؤدي نظام الدعم هذا إلى انخفاض أسعار هذه السلع بالمقارنة مع أسعارها في دول الجوار ؛ مما يخلق هامشاً للربح من عملية المتاجرة في هذه السلع في السوق السوداء وتهريبها لبلدان الجوار ، ولقد كان هذا النوع من التجارة والتهريب رائجا حتى قبل العام 2011 ، إلا أنه مع ضعف سيطرة الدولة على الحدود وخاصة الحدود الجنوبية والمنافذ البرية ف شرق البلاد وغربها زاد رواج هذه التجارة ، وهناك بعض الأدلة على انخراط بعض التشكيلات المسلحة خاصة في المناطق الحدودية الجنوبية ، وتلك المسيطرة على المنافذ البرية في هذه التجارة ، سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر من خلال فرض أموال حماية على مهربي هذه السلع للسماح لهم بمزاولة التهريب وتقديم الحماية ضمن المناطق التي يسيطرون عليها لقوافل التهريب , وتشير تقارير ديوان المحاسبة للعام 2014 إلى أن الدولة الليبية أنفقت أكثر من ملياري دينار ليبي خلال العام 2012 على دعم السلع الغذائية الأساسية ، وهذا يساوي تقريبا ثلاثة أضعاف ما كان يخصص لدعم السلع الغذائية قبل العام 2011 ، وتشير هذه الزيادة الكبيرة في الإنفاق على دعم السلع الغذائية إلى مقدار السلع المهرية من السوق المحلية لبلدان الجور أي أن نحو ثلثي ما تم الإنفاق عليه من السلع الغذائية تم تهريبه، حتى تهريب البشر “الهجرة غير الشرعية” لم يكن نشاط الهجرة عبر ليبيا نشاطا منظما بشكل كبير قبل العام 2011 ، ولكن مع انهيار مؤسسات الدولة المسؤولة عن السيطرة والتحكم ومراقبة الحدود والمنافذ البرية والبحرية والمطارات – شهد هذا النشاط توسعًا كبيرًا خاصة بعد العام 2014 حيث أفرد تقرير لجنة الخبراء للعام 2016 جزءا خاضا من التقرير لتوثيق العمليات والأنشطة والأطراف المنخرطة في الهجرة غير الشرعية من إفريقيا إلى أوروبا عبر ليبيا ، ويشير التقرير إلى وقوف شبكات إجرامية دولية عابرة للحدود وراء تنظيم وتسيير قوافل المهاجرين غير الشرعيين عبر الأراضي الليبية ، كما يشير التقرير إلى أن دور التشكيلات المسلحة الليبية ينحصر في مهمة تيسير مرور وحماية قوافل المهاجرين عند عبورهم للأراضي الليبية ، وتنخرط في هذا النشاط تشكيلات مسلحة من الكفرة والقطرون وأوباري في الجنوب وفي أجدابيا وطرابلس وبنغازي في الشمال ، في حين تعد زوارة وصبرانه من الموانئ الرئيسية التي ينطلق منها المهاجرون غير الشرعيين نحو أوروبا ، وتشير الأدلة المتوافرة إلى تورط تشكيلات مسلحة في هذه المناطق ، بالإضافة إلى وحدات من خفر السواحل في عمليات الهجرة غير الشرعية”.

واعتقد أن “أنشطة الهجرة غير الشرعية تدر عوائد مالية ضخمة جدا للأطراف المنظمة والمشاركة فيها ، فعلى سبيل المثال ذكر تقرير لجنة الخبراء للعام 2017 أن نحو 800 إلى 1000 مهاجر يعبرون الأراضي الليبية يوميا ويتم تقاضي مبلغ 55000 عن كل مهاجر نظير تنظيم عملية نقله من بلده الأم إلى أوروبا ، وبهذا يمكن استنتاج أن حجم العوائد السنوية عن نشاط الهجرة غير الشرعية عبر ليبيا يتراوح بين 1.4 و 1.8 مليار دولار أمريكي سنويا وتحصل التشكيلات المسلحة في ليبيا على حصة معتبرة من هذه الأموال لدورها في حماية وتسهيل مرور قوافل المهاجرين عبر المناطق التي تسيطر عليها”.

وذكر كذلك بأن “الخطف والاحتجاز بغرض الابتزاز بعد الخطف والاحتجاز القصري من بين الأدوات التي تستخدمها بعض التشكيلات المسلحة من أجل ابتزاز الأموال والممتلكات من الأفراد وبعض مسؤولي الدولة ، ولقد أشار تقرير لجنة الخبراء للعام 2015 إلى انتشار ظاهرة الاحتجاز القصري والخطف وذكر أن من بين أسباب هذه الظاهرة الابتزاز والحصول على الأموال من الأفراد وخاصة مسؤولي النظام السابق ، فعلى سبيل المثال أقام أحد قادة التشكيلات المسلحة في تاجوراء مركز احتجاز بمشروع العام ، واحتجز فيه عددا من مسؤولي النظام السابق والمتعاطفين معهم ، وقام بابتزاز أقاريهم وزوارهم ، واستولى منهم على مبالغ طائلة ، كما أشار نفس التقرير إلى حدوث عمليات إبتزاز واستيلاء على أموال من المحتجزين أو ذويهم في سجن الجزيرة والعسة وجودايم في منطقة الزاوية ، وتكرر الأمر نفسه في سجن معيتيقة بالإضافة إلى ذلك تقوم بعض التشكيلات بإلقاء قبض أو خطف لبعض الأثرياء ورجال الأعمال ومسؤولي الدولة لمساومتهم للحصول على أموال وأملاك عقارية وأراض لقاء إطلاق سراحهم ، والإتاوات وأموال الحماية تقوم بعض التشكيلات المسلحة في المراكز الحضرية والتجارية الكبرى وخاصة طرابلس بفرض رسوم حماية وإتاوات على أصحاب الأعمال والتجارة بأسلوب يشبه أسلوب عصابات المافيا نظير عدم التعرض لأنشطتهم والسماح لهم بالعمل ضمن مناطق سيطرة هذه التشكيلات ، وتستخدم بعض التشكيلات نفس الأسلوب مع مؤسسات وإدارات الدولة المختلفة للحصول على مكاسب مادية نظير حمايتها والسماح لها بالاستمرار في أنشطتها ومزاولتها لمهامها فعلى سبيل المثال ذكر تقرير لجنة الخبراء لسنة 2017 قيام بعض التشكيلات المسلحة في طرابلس بتهديد وابتزاز موظفي المصارف التجارية والمصرف المركزي للحصول على خطابات ضمان تفضيلية لمصلحة بعض الشركات المتعاونة مع هذه التشكيلات يغرض الاستفادة من هذه الخطابات من خلال هامش الربح الذي يوفره الفرق بين سعر الصرف الأجنبي الدولار واليورو  الرسمي وسعره في السوق السوداء”.

وتابع: “وبالمثل استخدمت قوة الردع الخاصة نفوذها لضمان حصول بعض الشركات على عقود تفضيلية في مجال البناء والتشييد ، كما زاد تأثير بعض التشكيلات الأخرى على المؤسسة الليبية للاستثمار وشركات الاتصالات وضمنت عضويات لأفراد مقربين منها في إدارة هذه المؤسسات والشركات ؛ مما مكنها في النهاية من تحقيق مكاسب مالية إن العرض السابق يوضح الحجم الضخم للأموال والمنافع الاقتصادية التي تحققها التشكيلات المسلحة المختلفة في ليبيا من جراء ضعف الدولة وعدم سيطرتها على القطاع الأمني كل هذا يخلق مصلحة حقيقية وراسخة لهذه التشكيلات وقياداتها في استمرار حالة الفراغ الأمني وما يتضمنه من استمرار حالة الصراع ، وإن كان عند مستويات منخفضة”.

واختتم: “الأجندة الاقتصادية وإطالة أمد الصراع في ليبيا أدى سقوط نظام القذافي في نهاية العام 2011 إلى حدوث إنهيار في القطاع الأمني ومؤسسات الجيش والشرطة ، وحدث فراغ أمني كبير ، وضعفت إلى حد بعيد سيطرة الدولة على وسائل الإكراه ، ولم يفلح المجلس الانتقالي والسلطات التالية له في ملء هذا الفراغ الأمني ، بالرغم من كل الجهود المبذولة في هذا الإطار والتي أسفرت عن تكوين تشكيلات تتبع الدولة اسميًا وتتلقى منها التمويل ، ولكنها تتمتع بقدر كبير من الاستقلالية ، وأصبح القطاع الأمني مكونا من تشكيلات تعبر عن انتماءات ومصالح مناطقية وقبلية وأيدولوجية لا تربط بينها سلسة واضحة”.

زر الذهاب إلى الأعلى